فصل: باب في حفظ المراتب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخصائص **


الجزء الثالث

  باب في حفظ المراتب

هذا موضع يتسمح الناس فيه فيخلون ببعض رتبه تجاوزاً لها وربما كان سهواً عنها‏.‏

وإذا تنبهت على ذلك من كلامنا هذا قويت به على ألا تضيع مرتبة يوجبها القياس بإذن الله‏.‏

فمن ذلك قولهم في خطايا‏:‏ إن أصله كان خطائئ ثم التقت الهمزتان غير عينين فأبدلت الثانية على حركة الأولى فصارت ياء‏:‏ خطائي ثم أبدلت الياء ألفا لأن الهمزة عرضت في الجمع واللام معتلة فصارت خطاءا فأبدلت الهمزة على ما كان في الواحد وهو الياء فصارت خطايا‏.‏

فتلك أربع مراتب‏:‏ خطائئ ثم خطائي ثم خطاءا ثم خطايا‏.‏

وهو - لعمري - كما ذكروا إلا أنهم قد أخلوا من الرتب بثنتين‏:‏ إما إحداهما فإن أصل هذه الكلمة قبل أن تبدل ياؤها همزة خطائئ بوزن خطايع ثم أبدلت الياء همزة فصارت‏:‏ خطائئ بوزن خطاعع‏.‏

والثانية أنك لما صرت إلى خطائي فآثرت إبدال الياء ألفا لاعتراض الهمزة في الجمع مع اعتلال اللام لاطفت الصنعة فبدأت بإبدال الكسرة فتحة لتنقلب الياء ألفا فصرت من خطائي إلى خطاءي بوزن خطاعي ثم أبدلتها لتحركها وانفتاح ما قبلها على حد ما تقول في إبدال لام رحىً وعصا فصارت خطاءا بوزن خطاعي ثم أبدلت الهمزة ياء على مضى فصارت خطايا‏.‏

فالمراتب إذاً ست لا أربع‏.‏

وهي خطائىء ثم خطائي ثم خطائي ثم خطاءي ثم خطاءا ثم خطايا‏.‏

فإذا أنت حفظت هذه المراتب ولم تضع موضعاً منها قويت دربتك بأمثالها وتصرفت بك الصنعة فيما هو جارٍ مجراها‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ إوزة‏.‏

أصل وضعها إوززة‏.‏

فهناك الآن عملان‏:‏ أحدهما قلب الواو ياء لانكسار ما قبلها ساكنة والآخر وجوب الإدغام‏.‏

فإن قدرت أن الصنعة وقعت في الأول من العملين فلا محالة أنك أبدلت من الواو ياء فصارت إيززة ثم أخذت في حديث الادغام فأسكنت الزاي الأولى ونقلت فتحتها إلى الياء قبلها فلما تحركت قويت بالحركة فرجعت إلى أصلها - وهو الواو - ثم ادغمت الزاي الأولى في الثانية فصارت‏:‏ اوزة كما ترى‏.‏

فقد عرفت الآن على هذا أن الواو في إوزة إنما هي بدل من الياء التي في إيززة وتلك الياء المقدرة بدل من واو ‏"‏ إوززة ‏"‏ التي هي واو وز‏.‏

وإن أنت قدرت أنك لما بدأتها فأصرتها إلى إوززة أخذت في التغيير من آخر الحرف فنقلت الحركة من العين إلى الفاء فصارت إوزة فإن الواو فيها على هذا التقدير هي الواو الأصلية لم تبدل ياء فيما قبل ثم أعيدت إلى الواو كما قدرت ذلك في الوجه الأول‏.‏

وكان أبو علي - رحمه الله - يذهب إلى أنها لم تصر إلى إيززة‏.‏

قال‏:‏ لأنها لو كانت كذلك لكنت إذا ألقيت الحركة على الياء بقيت بحالها ياء فكنت تقول‏:‏ إيزة‏.‏

فأدرته عن ذلك وراجعته فيه مرارا فأقام عليه‏.‏

واحتج بأن الحركة منقولة إليها فلم تقو بها‏.‏

وهذا ضعيف جداً ألا ترى أنك لما حركت عين طىّ فقويت رجعت واو في طووى وإن كانت الحركة أضعف من تلك لأنها مجتلبة زائدة وليست منقولة من موضع قد كانت فيه قوية معتدة‏.‏

ومن ذلك بناؤك مثل فعلول من طويت‏.‏

فهذا لا بد أن يكون أصله‏:‏ طويويٌ‏.‏

فإن بدأت بالتغيير من الأول فإنك أبدلت الواو الأولى ياء لوقوع الياء بعدها فصار التقدير إلى طييوى ثم ادغمت الياء في الياء فصارت طيوىٌ ‏"‏ ثم أبدلت من الضمة كسرة فصارت طيوى ثم أبدلت من الواو ياء فصارت إلى طييىٌ ثم أبدلت من الضمة قبل واو فعلول كسرة فصارت طييى ثم أدغمت الياء المبدلة من واو فعلول في لامه فصارت طيى‏.‏

فلما اجتمعت أربع ياءات ثقلت فأردت التغيير لتختلف الحروف فحركت الياء الولى بالفتح لتنقلب الثانية ألفا فتنقلب الألف واوا فصار بك التقدير إلى طييى فلما تحركت الياء التي هي بدل من واو طو يوى الأولى قويت فرجعت بقوتها إلى الواو فصار التقدير‏:‏ طويى فانقلبت الياء الأولى التي هي لام فعلول الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت طواى ثم قلبتها واوا لحاجتك إلى حركتها - كما أنك لما احتجت إلى حركة اللام في الإضافة إلى رحىً قلبتها واوا - فقلت‏:‏ طووى كما تقول في الإضافة إلى هوى علما‏:‏ هووى‏.‏

فلابد أن تستقرىء هذه المراتب شيئاً فشيئاً ولا تسامحك الصنعة بإضاعة شيء منها‏.‏

وإن قدرت أنك بدأت بالتغيير من آخر المثال فإنك لما بدأته على طويوى أبدلت واو فعلول ياء فصار إلى طوييىٍ ثم ادغمت فصار إلى طوييٍّ وأبدلت من ضمة العين كسرة فصار التقدير طويى ‏"‏ ثم أبدلت من الواو ياء فصار طييٌّ ثم ادغمت الياء الأولى في الثانية طييى ثم عملت فيما بعد من تحريك الأولى بالفتح وقلب الثانية ألفا ثم قلبها واوا ما كنت عملته في الوجه الأول‏.‏

ومن شبه ذلك يلي جمع قرن ألوى فإنه يقول‏:‏ طيي وشيى‏.‏

ومن قال‏:‏ لي فضم فإنه يقول‏:‏ طييىٌّ وشييى فيهما من طويت وشويت‏.‏

فاعرف بهذا حفظ المراتب فيما يرد عليك من غيره ولا تضع رتبة البتة فإنه أحوط عليك وأبهر في الصناعة بك بحول الله‏.‏

بأي التغييرين في المثال الواحد يبدأ باب في التغييرين في المثال الواحد بأيهما يبدأ اعلم أن القياس يسوغك أن تبدأ بأي العملين شئت‏:‏ إن شئت بالأول وإن شئت بالآخر‏.‏

أما وجه علة الأخذ في الابتداء بالأول فلأنك تغير لتنطق بما تصيرك الصنعة إليه وإنما تبتدىء في النطق بالحرف من أوله لا من آخره‏.‏

فعلى هذا ينبغي أن يكون التغيير من أوله لا من آخره لتجتاز بالحروف وقد رتبت على ما يوجبه العمل فيها وما تصير بك الصنعة عليه إليها إلى أن تنتهي كذلك إلى آخرها فتعمل ما تعمله ليرد اللفظ بك مفروغاً منه‏.‏

وأما وجه علة وجوب الابتداء بالتغيير من الآخر فمن قبل أنك إذا أردت التغيير فينبغي أن تبدأ به من أقبل المواضع له‏.‏

وذلك الموضع آخر الكلمة لا أولها لأنه أضعف الجهتين‏.‏

مثال ذلك قوله في مثال إوزة من أويت‏:‏ إياة‏.‏

وأصلها إئوية‏.‏

فإبدال الهمزة التي هي فاء واجب وإبدال الياء التي هي اللام واجب أيضاً‏.‏

فإن بدأت بالعمل من الأول صرت إلى إيوية ثم إلى إييية ثم إلى إياة‏.‏

وإن بدأت بالعمل من آخر المثال صرت أول إلى إئواة ثم إلى إيواةٍ ثم إياةٍ‏.‏

ففرقت العمل في هذا الوجه ولم تواله كما واليته في الوجه الأول لأنك لم تجد طريقاً إلى قلب الواو ياء إلا بعد أن صارت الهمزة قبلها ياء‏.‏

فلما صارت إلى إيواة أبدلتها ياء فصارت إياة كما ترى‏.‏

ومن ذلك قوله في مثال جعفر من الواو‏:‏ أوى‏.‏

وأصلها وووٌ‏.‏

وههنا عملان واجبان‏.‏

أحدهما إبدال الواو الأولى همزة لاجتماع الواوين في أول الكلمة‏.‏

والآخر إبدال الواو الآخرة ياء لوقوعها رابعة وطرفا ثم إبدال الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها‏.‏

فإن بدأت العمل من أول المثال صرت إلى أووٍ ثم إلى أوىٍ ثم إلى أوى‏.‏

وإن قدرت ابتداءك العمل من آخره فإنك تتصور أنه كان وَوّوٌ ثم صار إلى ووىٍ ثم إلى ووىًّ ثم إلى أوى‏.‏

هكذا موجب القياس على ما قدمناه‏.‏

وتقول على هذا إذا أردت مثال فعل من وأيت‏:‏ وؤى‏.‏

‏"‏ فإن خففت الهمزة فالقياس أن تقر المثال على صحة أوله وآخره فتقول‏:‏ ووىٌ ‏"‏ فلا تبدل الواو الأولى همزة لأن الثانية ليست بلازمة فلا تعتد إنما هي همزة وؤى خففت فأبدلت في اللفظ واوا وجرت مجرى واو رويا تخفيف رؤيا‏.‏

ولو اعتددتها واو البتة لوجب أن تبدلها للياء التي بعدها‏.‏

فتقول‏:‏ وى أو أى على ما نذكره بعد‏.‏

وقول الخليل في تخفيف هذا المثال‏:‏ أوىٌ طريف وصعب ومتعب‏.‏

وذلك أنه قدر الكلمة تقديرين ضدين لأنه اعتقد صحة الواو المبدلة من الهمزة حتى قلب لها الفاء فقال‏:‏ أوى‏.‏

فهذا وجه اعتداده إياها‏.‏

ثم إنه مع ذلك لم يعتددها ثابتة صحيحة ألا تراه لم يقلبها ياء للياء بعدها‏.‏

فلذلك قلنا‏:‏ إن في مذهبه هذا ضربا من التنتاقض‏.‏

وأقرب ما يجب أن نصرفه إليه أن نقول‏:‏ قد فعلت العرب مثله في قولهم‏:‏ مررت بزيد ونحوه‏.‏

ألا تراها تقدر الباء تارة كالجزء من الفعل وأخرى كالجزء من الاسم‏.‏

وقد ذكرنا هذا فيما مضى‏.‏

يقول‏:‏ فكذلك يجوز لي أنا أيضاً أن أعتقد في العين من ووى من وجه أنها في تقدير الهمزة وأصحها ولا أعلها للياء بعدها ومن وجه آخر أنها في حكم الواو لأنها بلفظها فأقلب لها الفاء همزة‏.‏

فلذلك قلت‏:‏ أوىٌ‏.‏

وكأن ‏"‏ أبا عمر ‏"‏ أخذ هذا الموضع من الخليل فقال في همزة نحو رأس وبأس إذا خففت في موضع الردف جاز أن تكون ردفا‏.‏

فيجوز عنده اجتماع راس وباس مع ناس‏.‏

وأجاز أيضاً أن يراعى ما فيها من نية الهمزة فيجيز اجتماع راس مع فلس‏.‏

وكأن أبا عمر إن كان أخذ هذا الموضع أعذر فيه من الخليل في مسئلته تلك‏.‏

وذلك أن أبا عمر لم يقض بجواز كون ألف راس ردفا وغير ردف في قصيدة واحدة‏.‏

وإنما أجاز ذلك في قصديتين إحداهما قوافيها نحو حلس وضرس والآخرى قوافيها نحو ناس وقرطاس وقرناس‏.‏

والخليل جمع في لفظة واحدة أمرين متدافعين‏.‏

وذلك أن صحة الواو الثانية في ووى منافٍ لهمزة الأولى منهما‏.‏

وليس له عندي إلا احتجاجه بقولهم‏:‏ مررت بزيد ونحوه وبقولهم‏:‏ لا أبا لك‏.‏

وقد ذكر ذلك في باب التقديرين المختلفين لمعنيين مختلفين‏.‏

ولندع هذا إلى أن نقول‏:‏ لو وجد في الكلام تركيب ‏"‏ ووى ‏"‏ فبنيت منه فعلاً لصرت إلى ووىٍ‏.‏

فإن بدأت بالتغيير من الأول وجب أن تبدل الواو التي هي فاء همزة فتصير حينئذ إلى أوىٍ ثم تبدل الواو العين ياء لوقوع اللام بعدها ياء فتقول‏:‏ أي‏.‏

فإن قلت‏:‏ أتعيد الفاء واوا لزوال الواو من بعدها ‏"‏ فتقول‏:‏ وي أو تقرها على قلبها السابق إليها فتقول‏:‏ أي ‏"‏ فالقول عندي إقرار الهمزة بحالها وأن تقول‏:‏ أي‏.‏

وذلك أنا رأيناهم إذا قلبوا العين وهي حرف علة همزة أجروا تلك الهمزة مجرى الأصلية‏.‏

ولذلك قال في تحقير قائم‏:‏ هو قوئيم فأقر الهمزة وإن زالت ألف فاعل عنها‏.‏

فإذا فعل هذا في العين كانت الفاء أجدر به لأنها أقوى من العين‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد قدمت في إوزة أنها لما صارت في التقدير إلى إيززة ثم أدرت إليها الحركة الزاي بعدها فتحركت بها‏.‏

أعدتها إلى الواو فصارت إوزة فهلا أيضاً أعدت همزة أي إلى الواو لزوال العلة التي كانت قلبتها همزة أعني واو أوىٍ قيل‏:‏ انقلاب حرف العلة همزة فاء أو عينا ليس كانقلاب الياء واوا ولا الواو ياء بل هو أقوى من انقلابهما إليهما ألا ترى إلى قولهم‏:‏ ميزان ثم لما زالت الكسرة عادت الواو في موازين ومويزين‏.‏

وكذلك عين ريح قلبت للكسرة ياء ‏"‏ ثم لما ‏"‏ زالت الكسرة عادت واوا فقيل‏:‏ أرواح ورويحة‏.‏

وكذلك قولهم‏:‏ موسر وموقن لما زالت الضمة عادت الياء فقالوا‏:‏ مياسر ومياقن‏.‏

فقد ترى إن انقلاب حرف اللين إلى مثله لا يستقر ولا يستعصم لأنه بعد القلب وقبله كأنه صاحبه والهمزة حرف صحيح وبعيد المخرج فإذا قلب حرف اللين إليه أبعده عن جنسه واجتذبه إلى حيزه فصار لذلك من وادٍ آخر وقبيل غير القبيل الأول‏.‏

فلذلك أقر على ما صار إليه وتمكنت قدمه فيما حمل عليه‏.‏

فلهذا وجب عندنا أن يقال فيه‏:‏ أي‏.‏

‏"‏ وأما إن ‏"‏ أخذت العمل من آخر المثال فإنك تقدره على ما مضى‏:‏ ووى ثم تبدل العين للام فيصير‏:‏ وي فتقيم حينئذ عليه ولا تبغي بدلا به لأنك لم تضطر إلى تركه لغيره‏.‏

وكذلك أيضاً يكون هذان الجوابان إن اعتقدت في عين وؤى أنك أبدلتها إبدالا ولم تخففها تخفيفاً‏:‏ القول في الموضعين واحد‏.‏

ولكن لو ارتجلت هذا المثال من وأيت على ما تقدم فصرت منه إلى وؤى ثم همزت الواو التي هي الفاء همزا مختاراً لا مضطراً إليه لكن قولك في وجوه‏:‏ أجوه وفي وقتت‏:‏ أقتت لصرت إلى أؤىٍ فوجب إبدال الثانية واوا خالصة فإذا خلصت كما ترى لما تعلم وجب إبدالها للياء بعدها فقلت‏:‏ أي لا غير‏.‏

فهذا وجه آخر من فإن قلت‏:‏ فهلا استدللت بقولهم في مثال فعول من القوة‏:‏ قيو على أن التغيير إذا وجب في الجهتين فينبغي أن يبدأ بالأول منهما ألا ترى أن أصل هذا قوو فبدأ بتغيير الأوليين فقال‏:‏ قيو ولم يغير الأخريين فيقول‏:‏ قوى قيل‏:‏ هذا اعتبار فاسد‏.‏

وذلك أنه لو بدأ فغير من الآخر لما وجد بدا من أن يغير الأول أيضاً ‏"‏ لأنه لو أبدل الآخر فصار إلى قوى للزمه أن يبدل الأول أيضاً ‏"‏ فيقول‏:‏ قيى‏:‏ فتجتمع له أربع ياءات فيلزمه أن يحرك الأولى لتنقلب الثانية ألفا فتنقلب واوا فتختلف الحروف فتقول‏:‏ قووى فتصير من عمل إلى عمل ومن صنعة إلة صنعة‏.‏

وهو مكفى ذلك وغير محوج إليه‏.‏

وإنما كان يجب عليه أيضاً تغيير الأولين لأنهما ليستا عينين فتصحا كبنائك فعلاً من قلت‏:‏ قول وإنما هما عين وواو زائدة‏.‏

ولو قيل لك‏:‏ ابن مثل خروع من قلت لما قلت إلا قيل لأن واو فعول لا يجب أن يكون أبدا من لفظ العين ألا ترى إلى خروع وبروع اسم ناقة فقد روى بكسر الفاء وإلى جدول فقد رويناه عن قطربٍ بكسر الجيم‏.‏

وكل ذلك لفظ عينه مخالف لواوه وليست كذلك العينان لأنهما لا يكونان أبدا إلا من لفظ واحد فإحداهما تقوى صاحبتها وتنهض منتها‏.‏

فإن قلت‏:‏ فإذا كنت تفصل بين العينين وبين العين الزائد بعدها فكيف تبنى مثل عليب من البيع فجوابه على قول النحويين سوى الخليل بيع‏.‏

ادغمت عين فعيل فى يائه فجرى اللفظ مجرى فعل من الياء نحو قوله‏:‏ وإذا هم نزلوا فمأوى العيل وقوله‏:‏ كأن ريح المسك والقرنفل نباته بين التلاع السيل فإن قلت‏:‏ فهلا فصلت فى فعيل بين العين والياء وبين العينين ‏"‏ كما فصلت فى فعول وفعل بين العين والواو وبين العينين ‏"‏ قيل‏:‏ الفرق أنك لما أبدلت عين قول وأنت تريد به مثال فعول صرت إلى قيول فقلبت أيضا الواو ياء فصرت إلى قيل‏.‏

وأما فعيل من البيع فلو أبدت عينه واوا للضمة قبلها لصرت إلى بويع‏.‏

فإذا صرت إلى هنا لزمك أن تعيد الواو ياء لوقوع الياء بعدها فتقول بيع ولم تجد طريقاً إلى قلب الياء واواً لوقوع الواو قبلها كما وجدت السبيل إلى قلب الواو فى قيول ياء لوقوع الياء قبلها لأن الشرط فى اجتماع الياء والواو أن تقلب والواو للياء لا أن تقلب الياء للواو‏.‏

‏"‏ وذلك ‏"‏ كسيد وميت وطويت طيا وشويت شيا‏.‏

فلهذا قلنا فى فعيل من البيع‏:‏ بيع فجرى فى اللفظ مجرى فعل منه وقلنا فى فعول من القول‏:‏ قيل فلم يجر مجرى فعل منه‏.‏

وأما قياس قول الخيل فى فعيل من البيع فأن تقول‏:‏ بويع ألا تراه يجرى الأصل فى نحو هذا مجرىالزائد فيقول في فعل من أفعلت من اليوم على من قال‏:‏ أطولت‏:‏ أووم فتجرى ياء أيم الأولى وإن كانت فاء مجرى ياء فعيل من القول إذا قلت‏:‏ قيل‏.‏

فكما تقول الجماعة في فعل من قيل هذا قوول وتجري ياء فيعل مجرى ألف فاعل كذلك قال الخليل في فعل مما ذكرنا‏:‏ أووم‏.‏

فقياسه هنا أيضاً أن يقول في فيعل من البيع‏:‏ بويع‏.‏

بل إذا لم يدغم الخليل الفاء في العين - وهي أختها ‏"‏ وتليتها ‏"‏ وهي مع ذلك من لفظها - في أووم حتى أجراها مجرى قوله‏:‏ وفاحم دووي حتى اعلنكسا فألا يدغم عين بويع في يائه - ولم يجتمعا في كونهما أختين ولا هما أيضاً في اللفظ الواحد شريكتان - أجدر بالوجوب‏.‏

ولو بنيت مثل عوارة من القول لقلت على مذهب الجماعة‏:‏ قوالة بالادغام وعلى قول الخليل أيضاً كذلك لأن العين لم تنقلب فتشبه عنده ألف فاعل‏.‏

لكن يجيىء على قياس قوله أن يقول في فعول من القول‏:‏ قيول لأن العين لما انقلبت أشبهت الزائد‏.‏

يقول‏:‏ فكما لا تدغم بويع فكذلك لا تدغم قيول‏.‏

اللهم إلا أن تفضل فتقول‏:‏ راعيت في بويع ما لا يدغم وهو ألف فاعل فلم أدغم وقيول بضد ذلك لأن ياءه بدل من عين القول وادغامها في قول وقول والتقول ونحو ذلك جائز فهذا فصل اتصل بما كنا عليه‏.‏

فاعرفه متصلا به بإذن الله‏.‏

  باب في العدول عن الثقيل إلى ما هو أثقل منه لضرب من الاستخفاف

اعلم أن هذا موضع يدفع ظاهره إلى أن يعرف غوره وحقيقته‏.‏

وذلك أنه أمر يعرض للأمثال إذا ثقلت لتكريرها فيترك الحرف إلى ما هو أثقل منه ليختلف اللفظان فيخفا على اللسان‏.‏

وذلك نحو الحيوان ألا ترى أنه عند الجماعة - إلا أبا عثمان - من مضاعف الياء وأن أصله حييان فلما ثقل عدلوا عن الياء إلى الواو‏.‏

وهذا مع إحاطة العلم بأن الواو أثقل من الياء لكنه لما اختلف الحرفان ساغ ذلك‏.‏

وإذا كان اتفاق الحروف الصحاح القوية الناهضة يكره عندهم حتى يبدلوا أحدها ياء نحو دينار وقيراط وديماس وديباج ‏"‏ فيمن قال‏:‏ دماميس ودبابيج ‏"‏ كان اجتماع حرفي العلة مثلين أثقل عليهم‏.‏

نعم وإذا كانوا قد أبدلوا الياء واوا كراهية لالتقاء المثلين في الحيوان فإبدالهم ‏"‏ الواو ياء ‏"‏ لذلك أولى بالجواز وأحرى‏.‏

وذلك قولهم‏:‏ ديوان ‏"‏ واجليواذ ‏"‏‏.‏

وليس لقائل أن يقول‏:‏ فلما صار دوان إلى ديوان فاجتمعت الواو والياء وسكنت الأولى هلا أبدلت الواو ياء لذلك لأن هذا ينقض الغرض ألا تراهم إنما كرهوا التضعيف في دوان فأبدلوا ليختلف الحرفان فلو أبدلوا الواو فيما بعد للزم أن يقولوا‏:‏ ديان فيعودوا إلى نحو مما هربوا منه من التضعيف وهم قد أبدلوا الحييان إلى الحيوان ليختلف الحرفان فإذا أصارتهم الصنعة إلى اختلافهما في ديوان لم يبق هناك مطلب‏.‏

وأما حيوة فاجتمع إلى استكراههم التضعيف فيه وأن يقولوا‏:‏ حية أنه علم والأعلام يحتمل لها كثير من كلف الأحكام‏.‏

ومن ذلك قولهم في الإضافة إلى آية وراية‏:‏ آئى ورائى‏.‏

وأصلهما‏:‏ أيى ورايى إلا أن بعضهم كره ذلك فأبدل الياء همزة لتختلف الحروف ولا تجتمع ثلاث ياءات‏.‏

هذا مع إحاطتنا علما بأن الهمزة أثقل من الياء‏.‏

وعلى ذلك أيضاً قال بعضهم فيهما‏:‏ راوى وآوى فأبدلها واوا ومعلوم أيضاً أن الواو أثقل من الياء‏.‏

وعلى نحو من هذا أجازوا في فعاليل من رميت‏:‏ رماوى ورمائى فأبدلوا الياء من رمايى تارة واوا وأخرى همزة - وكلتاهما أثقل من الياء - لتختلف الحروف‏.‏

وإذا كانوا قد هربوا من التضعيف إلى الحذف نحو ظلت ومست وأحست وظنت ذاك أي ظننت كان الإبدال أحسن وأسوغ لأنه أقل فحشا من الحذف وأقرب‏.‏

ومن الحذف لاجتماع الأمثال قولهم في تحقير أحوى‏:‏ أحى فحذفوا من الياءات الثلاث واحدة وقد حذفوا أيضاً من الثنتين في نحو هين ولين وسيد وميت وهذا واضح فاعرف وقس‏.‏

ومن ذلك قولهم عمبر أبدلوا النون ميما في اللفظ وإن كانت الميم أثقل من النون فخففت الكلمة ولو قيل عنبر بتصحيح النون لكان أثقل‏.‏

  باب في إقلال الحفل بما يلطف من الحكم

وهذا أمر في باب ما لا ينصرف كثيرا ألا ترى أنه إذا كان في الاسم سبب واحد من المعاني الفرعية فإنه يقل عن الاعتداد به فلا يمنع الصرف له فإذا انضم إليه سبب آخر اعتونا فمنعا‏.‏

ونحو من ذلك جمعهم في الاستقباح بين العطف على الضمير المرفوع المتصل الذي لا لفظ له وبينه إذا كان له لفظ‏.‏

فقولك‏:‏ قمت وزيد في الاستقباح كقولك‏:‏ قام وزيد وإن لم يكن في قام لفظ بالضمير‏.‏

وكذلك أيضاً سووا في الاستقباح بين قمت وزيد وبين قولنا قمتما وزيد وقمتم ومحمد من حيث كانت تلك الزيادة التي لحقت التاء لا تخرج الضمير من أن يكون مرفوعاً متصلا يغير له الفعل‏.‏

ومع هذا فلست أدفع أن يكونوا قد أحسوا فرقا بين قمت وزيد وقام وزيد إلا أنه محسوس عندهم غير مؤثر في الحكم ولا محدث أثرا في اللفظ كما قد نجد أشياء كثيرة معلومة ومحسوسة إلا أنها غير معتدة كحنين الطس وطنين البعوض وعفطة العنز وبصبصة الكلب‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ مررت بحمار قاسم ونزلت سفار قبل فكسرة الراء في الموضعين عندهم ومنن ذلك قولهم‏:‏ الذي ضربت زيد واللذان ضربت الزيدان فحذف الضمير العائد عندهم على سمت واحد وإن كنت في الواحد إنما حذفت حرفا واحدا وهو الهاء في ضربته وأما الواو بعدها فغير لازمة في كل لغة والوقف أيضاً يحذفها وفي التثنية قد حذفت ثلاثة أحرف ثابتة في الوصل والوقف وعند كل قوم وعلى كل لغة‏.‏

ومن ذلك جمعهم في الردف بين عمود ويعود من غير تحاشٍ ولا استكراه وإن كانت واو عمود أقوى في المد من واو يعود من حيث كانت هذه متحركة في كثير من المواضع نحو هو أعود منك وعاودته وتعاودنا قال‏:‏ وإن شئتم تعاودنا عوادا وأصلها أيضاً في يعود يعود‏.‏

فهو وإن كان كذلك فإن ذلك القدر بينهما مطرح وملغى غير محتسب‏.‏

نعم وقد سانوا وسامحوا فيما هو على من ذا وأنأى أمدا‏.‏

وذلك أنهم جمعوا بين الياء والواو ردفين نحو سعيد وعمود‏.‏

هذا مع أن الخلاف خارج إلى اللفظ فكيف بما تتصوره وهما ولا تمذل به لفظا‏.‏

ومن ذلك جمعهم بين باب وكتاب ردفين وإن كانت ألف كتاب مدا صريحا وهي في باب أصل غير زائدة ومنقلبة عن العين المتحركة في كثير من الأماكن نحو بويب وأبواب ومبوب ومن ذلك جمعهم بين الساكن والمسكن في الشعر المقيد على اعتدال عندهم وعلى غير حفل محسوس منهم نحو قوله‏:‏ لئن قضيت الشأن من أمري ولم أقض لباناتي وحاجات النهم لأفرجن صدرك شقا بقدم فسوى في الروى بين سكون ميم لم وسكون الميمات فيما معها‏.‏

ومن ذلك وصلهم الروى بالياء الزائدة للمد والياء الأصلية نحو الرامي والسامي مع الأنعامي والسلامي‏.‏

ومن ذلك أيضاً قولهم‏:‏ إني وزيدا قائمان وأني وزيدا قائمان لا يدعي أحد أن العرب تفصل بين العطف على الياء وهي ساكنة وبين العطف عليها وهي مفتوحة‏.‏

فاعرف هذا مذهبا لهم وسائغا في استعمالهم حتى إن رام رائم أو هجر حالم بأن القوم يفصلون في هذه الأماكن وما كان سبيله في الحكم سبيلها بين بعضها وبعضها فإنه مدع لما لا يعبئون به وعازٍ إليهم ما لا يلم بفكر أحد منهم بإذن الله‏.‏

فإن انضم شيء إلى ما هذه حاله كان مراعىً معتداً ألا تراهم يجيزون جمع دونه مع دينه ردفين‏.‏

فإن انضم إلى هذا الخلاف آخر لم يجز نحو امتناعهم إن يجمعوا بين دونه ودينه لأنه انضم إلى خلاف الحرفين تباعد الحركتين وجاز دونه مع دينه وإن كانت الحركتان مختلفتين لأنهما وإن اختلفا لفظا فإنهما قد اتفقتا حكما ألا ترى أن الضمة قبل الواو رسيلة الكسرة قبل الياء والفتحة ليست من هذا في شيء لأنها ليست قبل الياء ولا الواو وفقا لهما كما تكون وفقا للألف‏.‏

وكذلك أيضاً نحو عيده مع عوده وإن كانوا لا يجيزونه مع عوده‏.‏

فاعرف ذلك فرقا‏.‏

  باب في إضافة الاسم إلى المسمى والمسمى إلى الاسم

هذا موضع كان يعتاده أبو على رحمة الله كثيراً ويألفه ويأنق له ويرتاح لاستعماله‏.‏

وفيه دليل نحوي غير مدفوع يدل على فساد قول من ذهب إلى أن الاسم هو المسمى‏.‏

ولو كان إياه لم تجز إضافة واحد منهما إلى صاحبه لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه‏.‏

فإن قيل‏:‏ ولم لم يضف الشيء إلى نفسه‏.‏

قيل‏:‏ لأن الغرض في الإضافة إنما هو التعريف والتخصيص والشيء إنما يعرفه غيره لأنه لو كانت نفسه تعرفه لما احتاج أبدا أن يعرف بغيره لأنه نفسه في حالي تعريفه وتنكيره واحدة وموجودة غير مفتقدة‏.‏

ولو كانت نفسه هي المعرفة له أيضاً لما احتاج إلى إضافته إليها لأنه ليس فيها إلا ما فيه فكان يلزم الاكتفاء به عن إضافته إليها‏.‏

فلهذا لم يأت عنهم نحو هذا غلامه ومررت بصاحبه والمظهر هو المضمر المضاف إليه‏.‏

هذا مع فساده في المعنى لأن الإنسان لا يكون أخا نفسه ولا صاحبها‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد تقول‏:‏ مررت بزيد نفسه وهذا نفس الحق يعني أنه هو الحق لا غيره‏.‏

قيل‏:‏ ليس الثاني هو ما أضيف إليه من المظهر وإنما النفس هنا بمعنى خالص الشيء وحقيقته‏.‏

والعرب تحل نفس الشيء من الشيء محل البعض من الكل وما الثاني منه ليس بالأول ولهذا حكوا عن أنفسهم مراجعتهم إياها وخطابها لهم وأكثروا من ذكر التردد بينها وبينهم ألا ترى إلى قوله‏:‏ ولي نفس أقول لها إذا ما تنازعني لعلي أو عساني وقوله‏:‏ أقول للنفس تأساء وتعزية إحدى يدي أصابتني ولم ترد وقوله‏:‏ قالت له النفس تقدم راشدا إنك لا ترجع إلا حامدا وقوله‏:‏ قالت له النفس إني لا أرى طمعا وإن مولاك لم يسلم ولم يصد وأمثال هذا كثيرة جدا وجميع هذا يدل على أن نفس الشيء عندهم غير الشيء‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد تقول‏:‏ هذا أخو غلامه وهذه جارية بنتها فتعرف الأول بما أضيف إلى ضميره والذي أضيف إلى ضمير فإنما يعرف بذلك الضمير ونفس المضاف الأول متعرف بالمضاف إلى ضميره فقد ترى على هذا أن التعريف الذي استقر في جارية من قولك هذه جارية بنتها إنما أتاها من قبل ضميرها وضميرها هو هي فقد آل الأمر إذاً إلى أن الشيء قد يعرف نفسه وهذا خلاف ما ركبته وأعطيت يدك به‏.‏

قيل‏:‏ كيف تصرفت الحال فالجارية إنما تعرفت بالبنت التي هي غيرها وهذا شرط التعريف من جهة الإضافة‏.‏

فأما ذلك المضاف إليه أمضاف هو أم غير مضاف فغير قادح فيما مضى‏.‏

والتعريف الذي أفاده ضمير الأول لم يعرف الأول وإنما عرف ما عرف الأول‏.‏

والذي عرف الأول غير الأول فقد استمرت الصفة وسقطت المعارضة‏.‏

ويؤكد ذلك أيضاً أن الإضافة في الكلام على ضربين‏:‏ أحدهما ضم الاسم إلى اسم هو غيره بمعنى اللام نحو غلام زيد وصاحب بكر‏.‏

والآخر ضم اسم إلى اسم هو بعضه بمعنى من نحو هذا ثوب خز وهذه جبة صوف وكلاهما ليس الثاني فيه بالأول ألا ترى أن الغلام ليس بزيد وأن الثوب ليس بجميع الخز واستمرار هذا عندهم وفشوه في استعمالهم وعلى أيديهم يدل على أن المضاف ليس بالمضاف إليه البتة وفي هذا كافٍ‏.‏

فمما جاء عنهم من إضافة المسمى إلى الاسم قول الأعشى‏:‏ فكذبوها بما قالت فصبحهم ذوآل حسان يزجي الموت والشرعا بثينة من آل النساء وإنما يكن للآدنى لاوصال لغائب أي بثينة من هذا القبيل المسمى بالنساء هذا الاسم‏.‏

وقال الكميت‏:‏ إليكم ذوي آل النبي تطلعت نوازع من قلبي ظماء وألبب أي إليكم يا أصحاب هذا الاسم الذي هو قولنا‏:‏ آل النبي‏.‏

وحدثنا أبو علي أن أحمد بن إبراهيم أستاذ ثعلب روى عنهم‏:‏ هذا ذو زيد ومعناه‏:‏ هذا زيد أي هذا صاحب هذا الاسم الذي هو زيد وأنشد‏:‏ وحي بكر طعنا طعنة فجرى أي وبكرا طعنا وتلخيصه‏:‏ والشخص الحي المسمى بكرا طعنا فحي ههنا مذكر حية أي وشخص بكر الحي طعنا وليس الحي هنا هو الذي يراد به القبيلة كقولك‏:‏ حي تميم وقبيلة بكر إنما هو كقولك‏:‏ هذا رجل حي وامرأة حية‏.‏

فهذا من باب إضافة المسمى إلى اسمه وهو ما نحن عليه‏.‏

ومثله قول الآخر‏:‏ ياقر إن أباك حي خويلد قد كنت خائفه على الإحماق أي أن أبك خويلدا من أمره كذا فكأنه قال‏:‏ إن أباك الشخص الحي خويلدا من حاله كذا‏.‏

ألا قبح الإله بني زيادٍ وحي أبيهم قبح الحمار أي‏:‏ وأباهم الشخص الحي‏.‏

وقال عبد الله بن سبرة الحرشي‏:‏ وإن يبغ ذا ودي أخي أسع مخلصا ويأبى فلا يعيا على حويلي أي إن يبغ ودي‏.‏

وتلخيصه‏:‏ إن يبغ أخي المعنى المسمى بهذا الاسم الذي هو ودي‏.‏

وعليه قول الشماخ‏:‏ وأدمج دمج ذي شطن بديع أي دمج شطن بديع أي أدمج دمج الشخص الذي يسمى شطنا صاحب هذا الاسم‏.‏

وقد دعا خفاء هذا الموضع أقواما إلى أن ذهبوا إلى زيارة ذي وذات في هذه المواضع أي وأدمج دمج شطن وإليكم آل النبي وصبحهم آل حسان‏.‏

وإنما ذلك بعد عن إدراك هذا الموضع‏.‏

وكذلك قال أبو عبيدة في قول لبيد‏:‏ إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر كأنه قال‏:‏ ثم السلام عليكما‏.‏

وكذلك قال في قولنا بسم الله‏:‏ إنما هو بالله واعتقد زيادة اسم‏.‏

وعلى هذا عندهم قول غيلان‏:‏ لا ينعش الطرف إلا ما تخونه داعٍ يناديه باسم الماء مبغوم يدعونني بالماء ماء أسود والماء‏:‏ صوت الشاء أي يدعونني - يعني الغنم - بالماء أي يقلن لي‏:‏ أصبت ماء أسود‏.‏

فأبو عبيدة يدعى زيادة ذي واسم ونحن نحمل الكلام على أن هناك محذوفاً‏.‏

قال أبو علي‏:‏ وإنما هو على حد حذف المضاف أي‏:‏ ثم اسم معنى السلام عليكما واسم معنى السلام هو السلام فكأنه قال‏:‏ ثم السلام عليكما‏.‏

فالمعنى - لعمري - ما قاله أبو عبيدة ولكنه من غير الطريق التي أتاه هو منها ألا تراه هو اعتقد زيادة شيء واعتقدنا نحن نقصان شيء‏.‏

ونحو من هذا اعتقادهم زيادة مثل في نحو قولنا‏:‏ مثلي لا يأتي القبيح ومثلك لا يخفى عليه الجميل أي أنا كذا وأنت كذلك‏.‏

وعليه قوله‏:‏ مثلي لا يحسن قولا فعفع أي أنا لا أحسن ذاك‏.‏

وكذلك هو لعمري إلا أنه على غير التأول الذي رأوه‏:‏ من زيادة مثل وإنما تأويله‏:‏ أي أنا من جماعة لا يرون القبيح وإنما جعله من جماعة هذه حالها ليكون أثبت للامر إذ كان له فيه أشباه وأضراب ولو انفرد هو به لكان غير مأمون انتقاله منه وتراجعه عنه‏.‏

فإذا كان له فيه نظراء كان حري أن يثبت عليه وترسو قدمه فيه‏.‏

وعليه قول الآخر‏:‏ ومثلي لا تنبو عليك مضاربه فقوله إذاً‏:‏ باسم الماء واسم السلام إنما هو من باب إضافة الاسم إلى المسمى بعكس الفصل الأول‏.‏

ونقول على هذا‏:‏ ما هجاء سيف فيقول في الجواب‏:‏ س ي ف‏.‏

فسيف هنا اسم لا مسمى أي ما هجاء هذه الأصوات المقطعة ونقول‏:‏ ضربت بالسيف فألسيف هنا جوهر الحديد هذا الذي يضرب به فقد يكون الشيء الواحد على وجه اسما وعلى آخر مسمى‏.‏

وإنما يخلّص هذا من هذا موقعه والغرض المراد به‏.‏

ومن إضافة المسمى إلى اسمه قول الآخر‏:‏ إذا ما كنت مثل ذوي عدي ودينار فقام علي ناع أي مثل كل واحد من الرجلين المسميين عدياً وديناراً‏.‏

وعليه قولنا‏:‏ كان عندنا ذات مرة وذات صباح أي صباحاً أي الدفعة المسماة مرة والوقت المسمى صباحاً قال‏:‏ عزمت على إقامة ذي صباح لأمر ما يسود من يسود ما مجرورة الموضع لأنها وصف لأمر أي لأمر معتد أو مؤثر يسود من يسود‏.‏

واعلم أن هذا الفصل من العربية غريب وقل من يعتاده أو يتطرفه‏.‏

وقد ذكرته لتراه‏.‏

فتنبه على ما هو في معناه إن شاء الله‏.‏

  باب في اختصاص الأعلام بما لا يكون مثله في الأجناس

وقد ذكرنا هذا الشرح من العربية في جملة كتابنا في تفسير أبيات الحماسة عند ذكرنا أسماء شعرائها‏.‏

وقسمنا هناك الموقع عليه الاسم العلم وأنه شيئان‏:‏ عين ومعنى‏.‏

فالعين‏:‏ الجوهر كزيد وعمرو‏.‏

والمعنى‏:‏ هو العرض كقوله‏:‏ سبحان من علقمة الفاخر وقوله‏:‏ وإن قال غاوٍ من تنوخ قصيدة بها جرب عدت على بزو برا وكذلك الأمثلة الموزون بها نحو أفعل ومفعل وفعلة وفعلان وكذلك اسماء الأعداد نحو قولنا‏:‏ أربعة نصف ثمانية وستة ضعف ثلاثة وخمسة نصف عشرة‏.‏

وغرضنا هنا أن نرى مجيء ما جاء منه شاذا عن القياس لمكان كونه علما معلقا على أحد الموضعين اللذين ذكرنا‏.‏

فمنه ما جاء مصححا مع وجود سبب العلة فيه وذلك نحو محببٍ وثهلل ومريم ومكوزة ومدين‏.‏

ومنه معدي كرب ألا تراه بني مفعلا مما لامه حرف علة وذلك غير معروف في هذا الموضع‏.‏

وإنما يأتي في ذلك مفعل بفتح العين نحو المدعي والمقضي والمشتي‏.‏

وعلى أنه قد شذ في الأجناس شيء من ذلك وهو قول بعضهم‏:‏ مأوى الإبل بكسر العين‏.‏

فأما مأقٍ فليس من هذا‏.‏

ومن ذلك قولهم في العلم‏:‏ موظب ومورق وموهب‏.‏

وذلك أنه بنى مما فاؤه واو مثال مفعل‏.‏

وهذا إنما يجيء أبدا على مفعل - بكسر العين - نحو الموضع والموقع والمورد والموعد والموجدة‏.‏

وأما سوءلة علما فإن كان من وأل أي نجا فهو من هذا وإن كان من قولهم‏:‏ جاءني وما مألت مأله وما شأنت شأنه فإنه فوعل وهذا على هذا سرحٌ‏:‏ سهل‏.‏

ومن ذلك قولهم في العلم‏:‏ حيوة‏.‏

وهذه صورة لولا العلمية لم يجز مثلها لاجتماع الياء والواو وسبق الأولى منهما بالسكون‏.‏

وعلة مجيء هذه الأعلام مخالفة للأجناس هو ما هي عليه من كثرة استعمالها وهم لما كثر استعماله أشد تغييرا‏.‏

فكما جاءت هذه الأسماء في الحكاية مخالفة لغيرها نحو قولك في جواب مررت بزيد‏:‏ من زيدٍ ولقيت عمرا‏:‏ من عمرا كذلك تخطوا إلى تغييرها في ذواتها بما قدمناه ذكره‏.‏

وهذا من تدريج اللغة الذي قدمنا شرحه فيما مضى‏.‏

  باب في تسمية الفعل

اعلم أن العرب قد سمت الفعل بأسماء لما سنذكره‏.‏

وذلك على ضربين‏:‏ أحدهما في الأمر والنهي والآخر في الخبر‏.‏

الأول منهما نحو قولهم‏:‏ صه فهذا اسم اسكت ومه فهذا‏:‏ اكفف ودونك اسم خذ‏.‏

وكذلك عندك ووراءك اسم تنح ومكانك اسم اثبت‏.‏

قال‏:‏ وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي فجوابه بالجزم دليل على أنه كأنه قال‏:‏ اثبتي تحمدي أو تستريحي‏.‏

وكذلك قول الله جل اسمه ‏{‏مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ‏}‏ فأنتم توكيد للضمير في مكانكم كقولك‏:‏ اثبتوا أنتم وشركاؤكم وعطف على ذلك الضمير بعد أن وكده الشركاء‏.‏

ويؤكد ذلك عندك قول بعضهم‏:‏ مكانكني فإلحاقه النون كما تلحق النون نفس أنتني كقولك‏:‏ انتظرني‏.‏ ومنها هلم وهو آسم ائت‏.‏ وتعال‏.‏

قال الخليل‏:‏ هي مركبة وأصلها عنده ها للتنبيه ثم قال‏:‏ لم أي لم بنا ثم كثر استعمالها فحذفت الألف تخفيفاً‏.‏

ولأن اللام بعدها وإن كانت متحركة فإنها في حكم السكون ألا ترى أن الأصل وأقوى اللغتين - وهي الحجازية - أن تقول فيها‏:‏ المم بنا فلما كانت لام هلم في تقدير السكون حذف لها ألف ها كما تحذف لالتقاء الساكنين فصارت هلم‏.‏

وقال الفراء‏:‏ أصلها هل زجر وحث دخلت على أم كأنها كانت هل أم أي اعجل واقصد وانكر أبو علي عليه ذلك وقال‏:‏ لا مدخل هنا للاستفهام‏.‏

وهذا عندي لا يلزم الفراء لأنه لم يدع أن هل هنا حرف استفهام وإنما هي عنده زجر وحث وهي التي في قوله‏:‏ ولقد يسمع قولي حيهل قال الفراء‏:‏ فألزمت الهمزة في أم التخفيف فقيل‏:‏ هلم‏.‏

وأهل الحجاز يدعونها في كل حال على لفظ واحد فيقولون للواحد والواحدة والأثنين والأثنتين والجماعتين‏:‏ هلم يا رجل وهلم يا امرأة وهلم يا رجلان وهلم يا امرأتان وهلم يا رجال وهلم يا نساء‏.‏

وعليه قوله‏:‏ يا أيها الناس ألا هلمه وأما التميميون فيجرونها مجرى لم فيغيرونها بقدر المخاطب‏.‏

فيقولون‏:‏ هلم وهلما وهلمي وهلموا وهلممن يا نسوة‏.‏

وأعلى اللغتين الحجازية وبها نزل القرآن ألا ترى إلى قوله - عز اسمه - ‏{‏وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا‏}‏‏.‏

وأما التميميون فإنها عندهم أيضاً اسم سمي به الفعل وليست مبقاة على ما كانت عليه قبل التركيب والضم‏.‏

يدل على ذلك أن بني تميم يختلفون في آخر الأمر من المضاعف فمنهم من يتبع فيقول‏:‏ مدُّ وفرِّ وعضَّ ومنهم من يكسر فيقول‏:‏ مدِّ وفرِّ وعضِّ ومنهم من يفتح لالتقاء الساكنين فيقول‏:‏ مدَّ وفرَّ وعضَّ‏.‏

ثم رأيناهم كلهم مع هذا مجتمعين على فتح آخر هلم وليس أحد يكسر الميم ولا يضمها‏.‏

فدل ذلك على أنها قد خلجت عن طريق الفعلية وأخلصت اسماً للفعل بمنزلة دونك وعندك ورويدك وتيدك‏:‏ اسم اثبت وعليك بكرا‏:‏ اسم خذ وهو كثير‏.‏

ومنه قوله‏:‏ أقول وقد تلاحقت المطايا كذاك القول إن عليك عينا فهذا اسم احفظ القول أو اتق القول‏.‏

وقد جاءت هذه التسمية للفعل في الخبر وإنما بابها الأمر والنهي من قبل أنهما لا يكونان إلا بالفعل فلما قويت الدلالة فيهما على الفعل حسنت إقامة غيره مقامه‏.‏

وليس كذلك الخبر لأنه لا يخص بالفعل ألا ترى إلى قولهم‏:‏ زيد أخوك ومحمد صاحبك فالتسمية للفعل في باب الخبر ليست في قوة تسميته في باب الأمر والنهي‏.‏

وعلى ذلك فقد مرت بنا منه ألفاظ صالحة جمعها طول التقري لها‏.‏

وهي قولهم‏:‏ أفَّ اسم الضجر وفيه ثماني لغات أفِّ وأفٍ وأفَّ وأفٌ وأفَّ وأفَّا وأفّي ممال وهو الذي تقول فيه العامة‏:‏ أفي وأف خفيفة‏.‏

والحركة في جميعها لالتقاء الساكنين‏.‏

فمن كسر فعلى أصل الباب ومن ضم فللإتباع ومن فتح فللاستخفاف ومن لم ينون أراد التعريف ومن نون أراد التنكير‏.‏

فمعنى التعريف‏:‏ التضجر ومعنى التنكير‏:‏ تضجرا‏.‏

ومن أمال بناه على فعلى‏.‏

وجاءت ألف التأنيث مع البناء كما جاءت تاؤه معه في ذيَّة وكيَّة نعم وقد جاءت ألفه فيه أيضاً في قوله‏:‏ هنّا وهنَّا ومن هنَّا لهن بها ومنها آوتاه وهي اسم أتألم‏.‏

وفيها لغات‏:‏ آوَّتاه وآوَّه وأوَّه وأَوهُ وأَوهِ وأَوهَ وأَوِّ قال‏:‏ فأَوهِِ من الذكرى إذا ما ذكرتها ومن بعد أرض بيننا وسماء ويروى‏:‏ فأوِّ لذكراها‏.‏

والصنعة في تصريفها طويلة حسنة‏.‏

وقد كان أبو علي - رحمه الله - كتب إلي من حلب - وأنا بالموصل - مسئلة أطالها في هذه اللفظة جواباً على سؤالي إياه عنها وأنت تجدها في مسائله الحلبيات إلا أن جماع القول عليها أنها فاعلة فاؤها همزة وعينها ولامها واوان والتاء فيها للتأنيث‏.‏

وعلى ذلك قوله‏:‏ فأوِّ لذكراها قال‏:‏ فهذا كقولك في مثال الأمر من قويت‏:‏ قوِّ زيدا ونحوه‏.‏

ومن قال‏:‏ فأوهِ أو فأوِّه فاللام عنده هاء وهي من لفظ قول العبدي‏:‏ ومثلها مما اعتقب عليه الواو والهاء لاما قولهم‏:‏ سنة وعضة ألا تراهم قالوا‏:‏ سنوات وعضوات وقالوا أيضاً‏:‏ سانهت وبعير عاضه والعضاه‏.‏

وصحت الواو في آوة ولم تعتل إعلال قاوية وحاوية إذا أردت فاعلة من القوة والحوة من قبل أن هذا بني على التأنيث أعني آوة فجاء على الصحة كما صحت واو قرنوة وقلنسوة لما بنيت الكلمة على التأنيث البتة‏.‏

ومنها سرعان فهذا اسم سرع ووشكان‏:‏ اسم وشك وبطئان‏:‏ اسم بطؤ‏.‏

ومن كلامهم‏:‏ سرعان ذي إهالةً أي سرعت هذه من إهالة‏.‏

فأما أوائل الخيل فسرعانها بفتح الراء قال‏:‏ فيغيفون ونرجع السرعانا وقد قالوا‏:‏ وشكان وأشكان‏.‏

فأما أشك ذا فماض وليس باسم وإنما أصله وشك فنقلت حركة عينه كما قالوا في حسن‏:‏ حسن ذا قال‏:‏ لا يمنع الناس مني ما أردت ولا أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا ومنها حس اسم أتوجع ودهدرين‏:‏ اسم بطل‏.‏

ومن كلامهم‏:‏ دهدرين سعد القين وساعد القين أي هلك سعد القين‏.‏

ومنها لب وهو اسم اسم لبيك وويك‏:‏ اسم أتعجب‏.‏

وذهب الكسائي إلى أن ويك محذوفة من ويلك قال‏:‏ والكاف عندنا للخطاب حرف عارٍ من الأسمية‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء‏}‏ فذهب سيبويه والخليل إلى أنه وي ثم قال‏:‏ كأن الله‏.‏

وذهب أبو الحسن إلى أنها ويك حتى كأنه قال عنده‏:‏ أعجب أن الله يبسط الرزق‏.‏

ومن أبيات الكتاب‏:‏ وي كأن من يكن له نشب يح بب ومن يفتقر يعش ضر والرواية تحتمل التأويلين جميعاً‏.‏

ومنها هيهات من مضاعف الفاء في ذوات الأربعة‏.‏

ووزنها فعللة وأصلها هيهية كما أن أصل الزوزاة والقوقاة والدوداة والشوشاة‏:‏ الزوزوة والقوقوة والدودوة والشوشوة فانقلبت اللام ألفا فصارت هيهاة‏.‏

والتاء فيها للتأنيث مثلها في القوقاة والشوشاة‏.‏

والوقوف عليها بالهاء‏.‏

وهي مفتوحة فتحة المبنيات‏.‏

ومن كسر التاء فقال‏:‏ هيهات فإن التاء تاء جماعة التأنيث والكسرة فيها كالفتحة في الواحد‏.‏

واللام عندنا محذوفة لالتقاء الساكنين ولو جاءت غير محذوفة لكانت هيهيات لكنها حذفت لأنها في آخر اسم غير متمكن فجاء جمعه مخالفا لجمع المتمكن نحو الدوديات والشوشيات كما حذفت في قولك‏:‏ ذان وتان واللذان واللتان‏.‏

وأما قول أبي الأسود‏:‏ على ذات لوث أو بأهوج شوشوٍ صنيع نبيل يملا الرحل كاهله فسألت عنه أبا علي فأخذ ينظر فيه‏.‏

فقلت له‏:‏ ينبغي أن يكون بني من لفظ الشوشاة مثال جحمرش فعاد إلى شوشووٍ فأبدل اللام الثالثة ياء لانكسار ما قبلها فعاد‏:‏ شوشوٍ فتقول على هذا في نصبه‏:‏ رأيت شوشوياً فقبل ذلك ورضيه‏.‏

ويجوز فيه عندي وجه آخر وهو أن يكون أراد‏:‏ شوشوياً منسوباً إلى شوشاة ثم خفف إحدى ياءي الإضافة‏.‏

وفي هيهات لغات‏:‏ هيهاة وهيهاةً وهيهات وهيهاتٍ وأيهات وأيهات وأيهاتٍ وأيهاتاً وأيهان بكسر النون حكاها لنا أبو علي عن أحمد بن يحيى وأيها والاسم بعدها مرفوع على حد ارتفاع الفاعل بفعله قال جرير‏:‏ فهيهات هيهات العقيق ومن به وهيهات خل بالعقيق نواصله وقال ايضاً‏:‏ هيهات منزلنا بنعفٍ سويقة كانت مباركةً من الأيام وأما قوله‏:‏ هيهات من منخرق هيهاؤه فهذا كقولك‏:‏ بعد بعده وذلك أنه بني من هذا اللفظ فعلالا فجاء به مجيء القلقال والزلزال‏.‏

والألف في هيهات غير الألف في هيهاؤه هي في هيهات لام الفعل الثانية كقاف الحقحقة الثانية وهي في هيهاؤه ألف الفعلال الزائدة‏.‏

وهي في هيهات فيمن كسر غير تينك إنما هي التي تصحب تاء الهندات والزينبات‏.‏

وذكر سيبويه أن منهم من يقال له‏:‏ إليك فيقول‏:‏ إلي إلي فإلي هنا‏:‏ اسم أتنحى‏.‏

وكذلك قول من قيل له‏:‏ إياك فقال‏:‏ إياي أي إياي لأتقين‏.‏

ومنها قولهم‏:‏ همهام وهو اسم فني‏.‏

وفيها لغات‏:‏ همهمامِ وحمحامِ ومحماحِ وبحباحِ‏.‏

أنشد أحمد بن يحيى‏:‏ أولمت يا خنوت شر إيلام في يوم نحسٍ ذي عجاجٍ مظلام ما كان إلا كاصطفاق الأقدام حتى أتيناهم فقالوا‏:‏ همهام فهذا اسم فني وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى‏}‏ هو اسم دنوت من الهلكة‏.‏

قال الأصمعي في قولها‏:‏ فأولى لنفسي أولى لها قد دنت من الهلاك‏.‏

وحكى أبو زيد‏:‏ هاهِ الآن وأولاة الآن فأنث أولى وهذا يدل على أنه اسم لا فعل كما يظن وهاه اسم قاربت وهي نحو أولى لك‏.‏

فأما الدليل على أن هذه الألفاظ أسماء فأشياء وجدت فيها لا توجد إلا في الأسماء‏.‏

منها التنوين الذي هو علم التنكير‏.‏

وهذا لا يوجد إلا في الاسم نحو قولك‏:‏ هذا سيبويه وسيبويهٍ آخر‏.‏

ومنها التثنية وهي من خواص الأسماء وذلك قولهم دهدرين‏.‏

وهذه التثنية لا يراد بها ما يشفع الواحد مما هو دون الثلاثة‏.‏

وإنما الغرض فيها التوكيد بها والتكرير لذلك المعنى كقولك‏:‏ بطل بطل فأنت لا تريد أن تنفي كونه مرة واحدة بل غرضكم فيه متابعة نفيه وموالاة ذلك كما أن قولك‏:‏ لا يدين بها لك لست تقصد بها نفي يدين ثنتين وإنما تريد نفي جميع قواه وكما قال الخليل في قولهم‏:‏ لبيك وسعديك إن معناهما أن كلما كنت في أمر فدعوتني إليه أجبتك وساعدتك عليه‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ إذا شق بردٌ شق بالبرد مثله دواليك حتى ليس للبرد لابس أي مداولةً بعد مداولة‏.‏

فهذا على العموم لا على دولتين ثنتين‏.‏

وكذلك قولهم‏:‏ دهدرين أي بطل بطلا بعد بطل‏.‏

ومنها وجود الجمع فيها في هيهات والجمع مما يختص بالاسم‏.‏

ومنها وجود التأنيث فيها في هيهاة وهيهات وأولاة الآن وأفي والتأنيث بالهاء والألف من خواص الأسماء‏.‏

ومنها الإضافة وهي قولهم‏:‏ دونك وعندك ووراءك ومكانك وفرطك وحذرك‏.‏

ومنها وجود لام التعريف فيها نحو النجاءك‏.‏

فهذا اسم انج‏.‏

ومنها التحقير وهي من خواص الأسماء‏.‏

وذلك قولهم‏:‏ رويدك‏.‏

وببعض هذا ما يثبت ما دعواه أضعاف هذا‏.‏

فإن قيل‏:‏ فقد ثبت بما أوردته كون هذه الكلم أسماء ولكن ليت شعري ما كانت الفائدة في التسمية لهذه الأفعال بها‏.‏

فالجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه‏:‏ أحدها السعة في اللغة ألا تراك لو احتجت في قافية بوزن قوله‏:‏ قدنا إلى الشأم جياد المصرين لأمكنك أن تجعل إحدى قوافيها دهدرين ولو جعلت هنا ما هذا اسمه - وهو بطل - لفسد وبطل‏.‏

وهذا واضح‏.‏

والآخر المبالغة‏.‏

وذلك أنك في المبالغة لا بد أن تترك موضعاً إلى موضع إما لفظاً إلى لفظ وإما جنساً إلى جنس فاللفظ كقولك‏:‏ عراض فهذا قد تركت فيه لفظ عريض‏.‏

فعراض إذاً أبلغ من عريض‏.‏

وكذلك رجل حسان ووضاء فهو أبلغ من قولك‏:‏ حسن ووضئ وكرام أبلغ من كريم لأن كريماً على كرم وهو الباب وكرام خارج عنه‏.‏

فهذا أشد مبالغة من كريم‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ الشيء إذا فاق في جنسه قيل له‏:‏ خارجي‏.‏

وتفسير هذا ما نحن بسبيله وذلك أنه لما خرج عن معهود حاله أخرج أيضاً عن معهود لفظه‏.‏

ولذلك أيضاً إذا أريد بالفعل المبالغة في معناه أخرج عن معتاد حاله من التصرف فمنعه‏.‏

وذلك نعم وبئس وفعل التعجب‏.‏

ويشهد وعارضتها رهوا على متتابعٍ شديد القصيرى خارجي محنب والثالث ما في ذلك من الإيجاز والاختصار وذلك أنك تقول للواحد‏:‏ صه وللاثنين‏:‏ صه وللجماعة‏:‏ صه وللمؤنث‏.‏

ولو أردت المثال نفسه لوجب فيه التثنية والجمع والتأنيث وأن تقول‏:‏ اسكتا واسكتوا واسكتي واسكتن‏.‏ وكذلك جميع الباب‏.‏

فلما اجتمع في تسمية هذه الأفعال ما ذكرناه من الاتساع ومن الإيجاز ومن المبالغة عدلوا إليها بما ذكرنا من حالها‏.‏

ومع ذلك فإنهم أبعدوا أحوالها من أحوال الفعل المسمى بها وتناسوا تصريفه لتناسيهم حروفه‏.‏

يدل على ذلك أنك لا تقول‏:‏ صه فتسلم كما تقول‏:‏ اسكت فتسلم ولامه فتستريح كما تقول‏:‏ اكفف فتستريح‏.‏

وذلك أنك إذا أجبت بالفاء فإنك إنما تنصب لتصورك في الأول معنى المصدر وإنما يصح ذلك لاستدلالك عليه بلفظ فعله ألا تراك إذا قلت‏:‏ زرني فأكرمك فإنك إنما نصبته لأنك تصورت فيه‏:‏ لتكن زيارة منك فإكرام مني‏.‏

فزرني دل على الزيارة لأنه من لفظه فدل الفعل على مصدره كقولهم‏:‏ من كذب كان شراً له أي كان الكذب فأضمر الكذب لدلالة فعله - وهو كذب - عليه وليس كذلك صه لأنه ليس من الفعل في قبيلٍ ولا دبيرٍ وإنما هو صوت أوقع موقع حروف الفعل فإذا لم يكن صه فعلاً ولا من لفظه قبح أن يستنبط منه معنى المصدر لبعده عنه‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد تقول‏:‏ أين بيتك فأزورك وكم مالك فأزيدك عليه فتعطف بالفعل المنصوب وليس قبله فعل ولا مصدر فما الفرق بين ذلك وبين صه‏.‏

قيل‏:‏ هذا كلام محمول على معناه ألا ترى أن قولك‏:‏ أين بيتك قد دخله معنى أخبرني فكأنه قال‏:‏ ليكن منك تعريف لي ومني زيارة لك‏.‏

فإن قيل‏:‏ وكيف ذلك أيضاً هلا جاز صه فتسلم لأنه محمول على معناه ألا ترى أن قولك‏:‏ صه في معنى‏:‏ ليكن منك سكوت فتسلم‏.‏

قيل‏:‏ يفسد هذا من قبل أن صه قد انصرف إليه عن لفظ الفعل الذي هو اسكت وترك له ورفض من أجله‏.‏

فلو ذهبت تعاوده وتتصوره أو تتصور مصدره لكانت تلك معاودة له ورجوعاً إليه بعد الإبعاد عنه والتحامي للفظ به فكان ذلك يكون كإدغام الملحق لما فيه من نقض الغرض‏.‏

وليس كذلك أين بيتك لأن هذا ليس لفظاً عدل إليه عن‏:‏ عرفني بيتك على وجه التسمية له به ولأن هذا قائم في ظله الأول من كونه مبتدأ وخبرا وصه ومه قد تنوهي في إبعاده عن الفعل البتة ألا تراه يكون مع الواحد والواحدة والاثنين والاثنتين وجماعة الرجال والنساء‏:‏ صه على صورة واحدة ولا يظهر فيه ضمير على قيامه بنفسه وشبهه بذلك بالجملة المركبة‏.‏

فلما تناءى عن الفعل هذا التنائي وتنوسيت أغراضه فيه هذا التناسي لم يجز فيما فأما دراك ونزال ونظار فلا أنكر النصب على الجواب بعده فأقول‏:‏ دراك زيداً فتظفر به ونزال إلى الموت فتكسب الذكر الشريف به لأنه وإن لم يتصرف فإنه من لفظ الفعل ألا تراك تقول‏:‏ أأنت سائر فأتبعك فتقتضب من لفظ اسم الفاعل معنى المصدر وإن لم يكن فعلاً كما قال الآخر‏:‏ إذا نهي السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاف فاستنبط من السفيه معنى السفه فكذلك ينتزع من لفظ دراك معنى المصدر وإن لم يكن فعلا‏.‏

هذا حديث هذه الأسماء في باب النصب‏.‏

فأما الجزم في جواباتها فجائز حسن وذلك قولك‏:‏ صه تسلم ومه تسترح ودونك زيدا تظفر بسلبه ألا تراك في الجزم لا تحتاج إلى تصور معنى المصدر لأنك لست تنصب الجواب فتضطر إلى تحصيل معنى المصدر الدال على أن والفعل‏.‏

وهذا واضح‏.‏

فإن قيل‏:‏ فمن أين وجب بناء هذه الأسماء فصواب القول في ذلك أن علة بنائها إنما هي تضمنها معنى لام الأمر ألا ترى أن صه بمعنى اسكت وأن أصل اسكت لتسكت كما أن أصل قم لتقم واقعد لتقعد فلما ضمنت هذه الأسماء معنى لام الأمر شابهت الحرف فبنيت كما أن كيف ومن وكم لما تضمن كل واحد منها معنى حرف الاستفهام بني وكذلك بقية فأما قول من قال نحو هذا‏:‏ إنه إنما بني لوقوعه موقع المبني يعني أدرك واسكت فلن يخلو من أحد أمرين‏:‏ إما أن يريد أن علة بنائه إنما هي نفس وقوعه موقع المبني لا غير وإما أن يريد أن وقوعه موقع فعل الأمر ضمنه معنى حرف الأمر‏.‏

فإن أراد الأول فسد لأنه إنما علة بناء الاسم تضمنه معنى الحرف أو وقوعه موقعه‏.‏

هذا هو علة بنائه لا غير وعليه قول سيبويه والجماعة‏.‏

فقد ثبت بذلك أن هذه الأسماء نحو صه وإيه وويها وأشباه ذلك إنما بنيت لتضمنها معنى حرف الأمر لا غير‏.‏

فإن قيل‏:‏ ما أنكرت من فساد هذا القول من قبل أن الأسماء التي سمي بها الفعل في الخبر مبنية أيضاً نحو أف وآوتاه وهيهات وليست بينها وبين لام الأمر نسبة قيل‏:‏ القول هو الأول‏.‏

فأما هذه فإنها محمولة في ذلك على بناء الأسماء المسمى بها الفعل في الأمر والنهي ألا ترى أن سبب الحكم قد يكون سبباً لضده باب في أن سبب الحكم قد يكون سبباً لضده على وجه هذا سبب ظاهره التدافع وهو مع استغرابه صحيح واقع وذلك نحو قولهم‏:‏ القود والحوكة والخونة وروع وحول وعور وعوز لوز وشول قال‏:‏ شاوٍ مشل شلول شلشل شول وتلخيص هذه الجملة أن كل واحد من هذه الأمثلة قد جاء مجيئا مثله مقتضٍ للإعلال وهو مع ذلك مصحح وذلك أنه قد تحركت عينه وهي معتلة وقبلها فتحة وهذا يوجب قلبها ألفا كباب ودار وعابٍ ونابٍ ويومٍ راحٍ وكبشٍ صافٍ إلا أن سبب صحته طريف وذلك أنهم شبهوا حركة العين التابعة لها بحرف اللين التابع لها فكأن فعلاً فعال وكأن فعلا فعيل‏.‏

فكما يصح نحو جواب وهيام وطويل وحويل فعلى نحوٍ من ذلك صح باب القود والحوكة والغيب والروع والحول والشول من حيث شبهت فتحة العين بالألف من بعدها وكسرتها بالياء من بعدها‏.‏

ألا ترى إلى حركة العين التي هي سبب الإعلال كيف صارت على وجه آخر سببا للتصحيح وهذا وجه غريب المأخذ‏.‏

وينبغي أن يضاف هذا إلى احتجاجهم فيه بأنه خرج على أصله منبهة على ما غير من أصل بابه‏.‏

ويدلك على أن فتحة العين قد أجروها في بعض الأحوال مجرى حرف اللين قول مرة مبن محكان‏:‏ في ليلةٍ من جمادى ذات أنديةٍ لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا فتكسيرهم ندىً على أندية يشهد بأنهم أجروا ندىً - وهو فعل - مجرى فعال فصار لذلك ندى وأندية كغداء وأغدية‏.‏

وعليه قالوا‏:‏ باب وأبوبة وخال وأخولة‏.‏

وكما أجروا فتحة العين مجرى الألف الزائدة بعدها كذلك أجروا الألف الزائدة بعدها مجرى الفتحة‏.‏

وذلك قولهم‏:‏ جواد وأجود وصواب وأصواب جاءت في شعر الطرماح‏.‏

وقالوا‏:‏ عراء وأعراء حياء وأحياء وهباء وأهباء‏.‏

فتكسيرهم فعالا على أفعال كتكسيرهم فعلا على أفعلة هذا هنا كذلك ثمة‏.‏

وعلى ذلك - عندي - ما جاء عنهم من تكسير فعيل على أفعال نحو يتيم وأيتام وشريف وأشراف حتى كأنه إنما كسر فعل لا فعيل كنمر وأنمار وكبد وأكباد وفخذ وأفخاذ‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ إذا المرء لم يخش الكريهة أوشكت حبال الهوينى بالفتى أن تقطعا وهذا عندهم قبيح وهو إعادة الثاني مظهرا بغير لفظه الأول وإنما سبيله أن يأتي مضمراً نحو‏:‏ زيد مررت به‏.‏

فإن لم يأت مضمراً وجاء مظهرا فأجود ذلك أن يعاد لفظ الأول البتة نحو‏:‏ زيد مررت بزيد كقول الله سبحانه‏:‏ ‏{‏ الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ‏}‏ و ‏{‏الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ‏}‏ وقوله‏:‏ لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ نغض الموت ذا الغنى والفقيرا ولو قال‏:‏ زيد مررت بأبي محمد وكنيته أبو محمد لم يجز عند سيبويه وإن كان أبو الحسن قد أجازه‏.‏

وذلك أنه لم يعد على الأول ضميره كما يجب ولا عاد عليه لفظه‏.‏

فهذا وجه القبح‏.‏

ويمكن أن يجعله جاعل سبب الحسن وذلك أنه لما لم يعد لفظ الأول البتة وعاد مخالفا للأول شابه - بخلافه له - المضمر الذي هو أبدا مخالف للمظهر‏.‏

وعلى ذلك قال‏:‏

أوشكت حبال الهوينى بالفتى‏.‏

ولم يقل‏:‏ به ولا بالمرء‏.‏

أفلا ترى أن القبح الذي كان في مخالفة الظاهر الثاني للأول قد عاد فصار بالتأويل من حيث أرينا حسنا‏.‏

وسببهما جميعا واحد‏.‏

وهو وجه المخالفة في الثاني للأول‏.‏

وأما قول ذي الرمة‏:‏ ولا الخرق منه يرهبون ولا الخنا عليهم ولكن هيبة هي ما هيا فيجوز أن تكون هي الثانية فيه اعادة للفظ الأول كقوله - عز وجل -‏:‏ ‏{‏الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ‏}‏ وهوالوجه‏.‏

ويجوز أن تكون هي الثانية ضمير هي الأولى كقولك‏:‏ هي مررت بها‏.‏

وإنما كان الوجه الأول لأنه إنما يعاد لفظ الأول في مواضع التعظيم والتفخيم وهذا من مظانه لأنه في مدحه وتعظيم أمره‏.‏

ومن ذلك أنهم قالوا‏:‏ أبيض لياح‏.‏

فقلبوا الواو التي في تصريف لاح يلوح للكسرة قبلها على ضعف ذلك لأنه ليس جمعا كثياب ولا مصدرا كقيام‏.‏

وإنما استروح إلى قلب الواو ياء لما يعقب من الخف كقولهم في صوار البقر‏:‏ صيار وفي الصوان للتخت صيان‏.‏

وكان يجب على هذا أن متى زالت هذه الكسرة عن لام لياح أن تعود الواو‏.‏

وقد قالوا مع هذا‏:‏ أبيض لياح فأقروا القلب بحاله مع زوال ما كانوا سامحوا أنفسهم في القلب به على ضعفه‏.‏

ووجه التأول منهم في هذا أن قالوا‏:‏ لما لم يكن القلب مع الكسر عن وجوب واستحكام وإنما ظاهره وباطنه العدول عن الواو إلى الياء هربا منها إليها وطلبا لخفتها لم تراجع الواو لزوال الكسرة إذا مثلها في هذا الموضع في غالب الأمر ساقط غير مؤثر نحو خوان وزوان وقوام وعواد مصدري قاومت وعاودت فمضينا على السمت في الإقامة على الياء‏.‏

أفلا ترى إلى ضعف حكم الكسرة في لياح الذي كان مثله قمنا بسقوطه لأدنى عارض يعرض له فينقضه كيف صار سببا ومن ذلك أن الادغام يكون في المعتل سببا للصحة نحو قولك في فعل من القول‏:‏ قول وعليه جاء اجلواذ‏.‏

والادغام نفسه يكون في الصحيح سببا للإعلال ألا تراهم كيف جمعوا حرة بالواو والنون فقالوا‏:‏ إحرون لأن العين أعلت بالادغام فعوضوا من ذلك الجمع بالواو والنون‏.‏ وله نظائر فاعرفه‏.‏